حين حلمت بطنجة-كمال أحمد علّولو - بروكسيل - بلجيكا
طنجة/الأدبية، الجريدة الثقافية لكل العرب. ملف الصحافة 02/2004. الإيداع القانوني 0024/2004. الترقيم الدولي 8179-1114 

 
قصة/نصوص

حين حلمت بطنجة

اللقاء الأول

أقلعت الطائرة وهديرها كاد يصم أذني، وحلقت في سماء بروكسيل الباردة، وضبابها الكثيف قد حجب الرؤية عندي لبرهة. أقلعت متوجهة إلى أرض الفتح، والتي منها ومن خلالها سار ابن نصير وطارق ابن زياد إلى بلاد ما وراء البحر ونشرا ومن أتى من بعدهما، العلم والتقدم، والحضارة، والتي عرفت فيما بعد ببلاد "الأندلس".
وهي سائرة في عليائها، أخذتني سنة من النوم، أو قل غفوت غفوة على ارتفاع يقدر بثلاثين ألف قدم، فرأيت فيما يرى النائم ... أبي وجدي قد همّا يعملان في الأرض من حرث وبذر وسقي، تحت أشعة شمس حارقة. وكان بالقرب منهما رهط من الرجال، فمنهم جالس، ومنهم يمشي، وهم يتخاطبون بلغة لم أفهم منها شيئا. فنظرا إليّ، وقال جدي:
-    سمعنا أنك مسافر، ولكن إلى أين؟
فقلت مجيبا:
-    إلى المغرب
وقال لي من جديد:
-    إلى المغرب ! إلى تلك الأرض الرائعة، وقصصها الجميلة؟
فسألته مشيرا بسبابتي:
-    من هذان الرجلان اللذان يمشيان مشية العظماء؟
فأجابني:
-    ألا تعلم من هما !
قلت:
-    كأني أعرفهما
فأردف قليلا:
-    إن الأول من هذين العظيمين، صاحب واقعة الزلاقة، يوسف بن تاشفين، الباسل، الصامد، وأما الثاني، فهو قاهر الاستعمار، عبد الكريم الخطابي، المقدام الشجاع.
فعجبت لهذا، إذ كيف اجتمعا هنا وكل له زمنه ومجده. فقاطعه صوت أنثوي نعيم قائلا:
-    حمدا لله على سلامتكم، وأهلا وسهلا بكم في أرض المغرب العربي !
وما هي إلا ساعات وأيام، حتى وجدت نفسي أمشي في شوارعها، وبين أزقتها الضيقة لوحدي. وفي أحد الأيام، وأنا أسير سير حالم رأيتها. نعم شاهدتها وعن قرب، وقد اهتزت وربت. فنظرت إليّ، ثم تبسمت، ثم أطرقت، ثم تضاحكت، فكان لقاء من نوع فريد. آه كم كانت جميلة، حسناء، هيفاء، حوراء، وفي نظراتها نظرات إلى الماضي. فهي منتصرة مرة، منهزمة مرة ... جريحة ... متفائلة ... مقبلة غير مدبرة، وجرى الحديث بيننا. في حديثها معي صمت غريب، وفي صمتها حديث ذو شجون. شامخة هي، مشرئبة العنق، مرفوعة الرأس، معتزة بدينها، وبصفائها كصفاء خد العروس في خدرها. كنت أسمع صدى آهات تخرج من داخلها بكبرياء عظيم. ولقد لبست ثوبا سندسيا، أخضرا، مطرزا عليه بعض رسوم حمراء مخملية. ومما زاد جمالها، تلك الهبة الإلهية،  دمعتان على وجهها، واحدة أكبر من الأخرى، فبقيت متفردة بهما بين أقرانها. فتجرأت وقلت لها:
-    لست أعلم لماذا أصابتني الرهبة عندما رأيتك ... وشعرت بأني منذ زمن أعرفك ... ولن أكون مبالغا أو متملقا بأن أقولها لك، أني أحبك    ومن الوهلة الأولى ... هل تسمعين ... أحبك ... وكأني بك لم تسمعي ... وبأعلى صوتي كررتها، وإذا ببعض المارة يتهامسون " ما لهذا الغريب يصرخ هكذا..." فتأثرت كثيرا، لماذا قالوا عني "غريب". وبإلحاح المحب قلت شيئا واحدا أطلبه منك " ما هو اسمك؟" وبصوت خافت، عذب، ممزوج برائحة الفل والياسمين، قالت " اسمي معروف عند كل الأحبة، اسمي طنجة".
وجاء اليوم الأخير، وكان لا بد من الرحيل، يوم الوداع، التفت إليها ونظرت وأطلت النظر، ورفعت يدي ملوحا وقد اغرورقت عيناي من الدموع ... لن أقول الوداع، بل إلى اللقاء، وإني أحبك يا مدينة ولن أنساك.












 
  كمال أحمد علّولو - بروكسيل - بلجيكا (2011-03-11)
Partager

تعليقات:
احمد امين /بلجيكا 2011-03-27
اللقاء الاول نص غارق في دهشة الجمال و الحنين للقاء ثان
البريد الإلكتروني : ahmadamine@almanar.be

فؤاد اليزيد /بلجيكا 2011-03-16
سلام المحبة من طنجة إلى دمشق
البريد الإلكتروني :

سناء /بروكسيل 2011-03-11
شكراعلى حبك لطنجة المغربية أيها الشاعر الرقيق!واصل وفقك الله
البريد الإلكتروني :

أضف تعليقك :
*الإسم :
*البلد :
البريد الإلكتروني :
*تعليق
:
 
 
الخانات * إجبارية
 
   
   
مواضيع ذات صلة

حين حلمت بطنجة-كمال أحمد علّولو  -  بروكسيل - بلجيكا

متابعات  |   ناصية القول  |   مقالات  |   سينما  |   تشكيل  |   مسرح  |   موسيقى  |   كاريكاتير  |   قصة/نصوص  |   شعر 
  زجل  |   إصدارات  |   إتصل بنا   |   PDF   |   الفهرس

2009 © جميع الحقوق محفوظة - طنجة الأدبية
Conception : Linam Solution Partenaire : chafona, sahafat-alyawm, cinephilia